الدعوة الإسلامية

قصة إسلام مالك ابن دينار

0 التعليقات

قصة حقيقيه تهز الأبدان وترجف منها القلوب فأين موضعنا من هذه القصه: 
يقول مالك ابن دينار

بدأت حياتي ضائعا سكيراً عاصيا .. أظلم الناس وآكل الحقوق .. آكل الربا .. أضر الناس .... افعل المظالم .. لا توجد معصية إلا وارتكبتها .. شديد الفجور . يتحاشاني الناس من معصيتي
يقول:
في يوم من الأيام .. اشتقت أن أتزوج ويكون عندي طفله .. فتزوجت وأنجبت طفله سميتها فاطمة .. أحببتها حباً شديدا .. وكلما كبرت فاطمة زاد الإيمان في قلبي وقلت المعصية في قلبي .. ولربما رأتني فاطمة أمسك كأسا من الخمر ... فاقتربت مني فأزاحته وهي لم تكمل السنتين .. وكأن الله يجعلهاتفعل ذلك ...وكلما كبرت فاطمة كلما زاد الإيمان في قلبي .. وكلما اقتربت من الله خطوه .... وكلما ابتعدت شيئا فشيئاً عن المعاصي..حتى اكتمل سن فاطمة 3 سنوات فلما أكملت .... الــ 3 سنوات ماتت فاطمة
يقول:
فانقلبت أسوأ مما كنت .. ولم يكن عندي الصبر الذي عند المؤمنين ما يقويني على
البلاء.. فعدت أسوا مما كنت .. وتلاعب بي الشيطان .. حتى جاء يوما
فقال لي شيطاني:
لتسكرن اليوم سكرة ما سكرت مثلها من قبل!!
فعزمت أن أسكر وعزمت أن أشرب الخمر وظللت طوال الليل أشرب وأشرب وأشرب
فرأيتني تتقاذفني الأحلام .. حتى رأيت تلك الرؤيا
رأيتني يوم القيامة وقد أظلمت الشمس .. وتحولت البحار إلى نار.. وزلزلت الأرض ...
واجتمع الناس إلى يوم القيامه .. والناس أفواج .. وأفواج .. وأنا بين الناس وأسمع المنادي ينادي فلان ابن فلان .. هلم للعرض على الجبار
يقول:فأرى فلان هذا وقد تحول وجهه إلى سواد شديد من شده الخوف حتى سمعت المنادي ينادي باسمي .. هلم للعرض على الجبار يقول:
فاختفى البشر من حولي (هذا في الرؤية) وكأن لا أحد في أرض المحشر .. ثم رأيت ثعبانا عظيماً شديداً قويا يجري نحوي فاتحا فمه. فجريت أنا من شده الخوف فوجدت رجلاً عجوزاً ضعيفاًً ....فقلت:آه: أنقذني من هذا الثعبان
فقال لي .. يابني أنا ضعيف لا أستطيع ولكن إجر في هذه الناحية لعلك تنجو ...
فجريت حيث أشار لي والثعبان خلفي ووجدت النار تلقاء وجهي .. فقلت: أأهرب من الثعبان لأسقط في النار فعدت مسرعا أجري والثعبان يقترب فعدت للرجل الضعيف وقلت له: بالله عليك أنجدني أنقذني .. فبكى رأفة بحالي ..
وقال: أنا ضعيف كما ترى لا أستطيع فعل شيء ولكن إجر تجاه ذلك الجبل لعلك تنجو
فجريت للجبل والثعبان سيخطفني فرأيت على الجبل أطفالا صغاراً فسمعت الأطفال
كلهم يصرخون: يا فاطمه أدركي أباك أدركي أباك
يقول::
فعلمت أنها ابنتي .. ويقول ففرحت أن لي ابنة ماتت وعمرها 3 سنوات تنجدني من ذلك الموقع فأخذتني بيدها اليمنى ..... ودفعت الثعبان بيدها اليسرى وأنا كالميت من شده الخوف
ثم جلست في حجري كما كانت تجلس في الدنياوقالت لي يا أبي
ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله
يقول:
يا بنيتي .... أخبريني عن هذا الثعبان!!
قالت هذا عملك السيئ أنت كبرته ونميته حتى كاد أن يأكلك .. أما عرفت يا أبي أن الأعمال في الدنيا تعود مجسمة يوم القيامه..؟
يقول:وذلك الرجل الضعيف: قالت ذلك العمل الصالح .. أنت أضعفته وأوهنته حتى بكى
لحالك لا يستطيع أن يفعل لحالك شيئاولولا انك أنجبتني ولولا أني مت صغيره ما كان هناك شئ ينفعك
يقول:
فاستيقظت من نومي وأنا أصرخ: قد آن يارب.. قد آن يارب, نعم
ألم يان للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله
يقول:
واغتسلت وخرجت لصلاه الفجر أريد التو به والعودة إلى الله
يقول:
دخلت المسجد فإذا بالإمام يقرأ نفس الآية
ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله
ذلك هو مالك بن دينار من أئمة التابعين
هو الذي اشتهر عنه أنه كان يبكي طول الليل ........ ويقول
إلهي أنت وحدك الذي يعلم ساكن الجنة من ساكن النار، فأي الرجلين أنا
اللهم اجعلني من سكان الجنة ولا تجعلني من سكان النار
وتاب مالك بن دينار واشتهر عنه أنه كان يقف كل يوم عند باب المسجد ينادي ويقول:
أيها العبد العاصي عد إلى مولاك .. أيها العبد الغافل عد إلى مولاك ..
أيها العبد الهارب عد إلى مولاك .. مولاك يناديك بالليل والنهار يقول لك
من تقرب مني شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعاً،ومن أتاني يمشي أتيته هرولة
أسألك تباركت وتعاليت أن ترزقنا
التوبه
لا إله إلا أنت سبحانك .. إني كنت من الظالمين
أرسلها إلى كل من تعرف ... فربما تكون سبب في هداية وتوبة غيرك..
وتخيل عظم الأجر الذي ستحصل عليه
*لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم
انشرها فقط إن كنت تمتلك وقتا لـ الله

عقوق الوالدين

0 التعليقات

ملخص الخطبة
1- تعريف العقوق وضابطه وبعض صوره. 2- النصوص تحرم العقوق. 3- الإجازة والسفر للخارج. 4- الإسراف في الحفلات.

الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن عقوق الوالدين من كبائر الذنوب وقد عرفه بعض العلماء بأنه:
صدور ما يتأذى به الوالدين من قول أو فعل، وعرفه بعضهم بأن ضابط العقوق هو أن يحصل للوالدين أو لأحدهما إيذاء ليس بالهين عرفا، فسبهما وعصيانهما والتلكؤ في قضاء شؤونهما ومد اليد بالسوء إليهما ولعنهما وغيبتهما والكذب عليهما؛ كل ذلك عقوق ونكران للجميل، وكذلك نهرهما وتوبيخهما وقهرهما والتأفف منهما والتكبر عليهما والدعاء عليهما كأن يقول الابن لوالده: أراحنا الله منك، أو أخذك الله، أو عجل الله بزوالك، كل ذلك عقوق وإثم كبير وذنب عظيم.
وهذا الذي يقع من الأبناء للوالدين تجد الوالدين معه يكرهان الحياة، يود أحدهما أن لم يكن له ولد وأنه كان عقيما، فبعض الناس لا يكتفي بالتقصير في حق والديه بما مضى ذكره من الإساءة، بل يسوؤهما بما يسمعهما وتضيق معه صدورهما، وينكد بذلك عليهما معيشتهما.
فعقوق الأبناء تئن له الفضيلة، وتبكي له المروءة، وتأباه الديانة، ولا يرضى به العاقل فضلا عن المتدين لأن فعله منكر عظيم.
وقد لا يسب العاق والديه مباشرة ولكن يسب أبا هذا وأم هذا؛ فيسبون أباه وأمه كما أخبر رسول الله وأخبر أن ذلك من العقوق ومن الكبائر: أن يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه أو يسب أمه، ويصبون على والديه من أجل ذلك اللعنات أضعاف ما صدر منه، والبادي هو الظالم. إذ هو الذي جلب لوالديه السب واللعن، وما أكثر السب والشتم واللعن في وقتنا هذا! وما أسهله عند الناس! وما أكثر الاحتقار للوالدين في البيوت والأسواق وفي كل محل -نسأل الله العافية-.
ولقد حرم الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء عقوق الوالدين ولو بأن يقال لهما أدنى ما يمكن أن يعبر به عن الإمتعاض وعدم الرضى، ولو بأن يقال لهما أف. حرم ذلك فقال: فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما [الإسراء:23].
ومما جاء في السنة المطهرة من بيان جرم العقوق وقبحه وإثمه، ما رواه البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)).
وروى البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا: قلنا بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس وقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور)) فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
فكما شفع الله الأمر بتوحيده بالأمر ببر الوالدين كذلك شفع النهي عن الإشراك به بالنهي عن عقوق الوالدين، وفي ذلك دلالة واضحة على جرم العقوق وقبحه وإثمه.
نسأل الله تعالى الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد، ونسأله شكر نعمته وحسن عبادته، ونسأله أن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمته، إنه هو أرحم الراحمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن إلا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين. اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ثم أما بعد:
فإنه من اللازم والضروري حتما التنبيه على ما يقع من بعض الناس في هذه الأيام من الأمور التي لا يصح وقوعها من المسلمين الذين شرفهم الله وأنعم عليهم بالهداية إلى هذا الدين القيم.
فبعض الناس بمجرد انتهاء اختبارات الطلاب يقبلون على السفر إقبالا شديدا، وبعضهم يسرف في الإنفاق على إقامة الاحتفالات بمناسبة النجاح والزواج، ولا ريب أن السفر في حد ذاته ليس أمرا معيبا؛ فإن في السفر فوائد جمة عظيمة لا سيما إن كان السفر سفر طاعة، كأن يكون لطلب علم أو صلة رحم أو لقصد بيت الله الحرام بالحج أو العمرة أو نحو ذلك من الأمور المرضية شرعا.
وأما أن يكون السفر للترويح عن النفس بأمور لا يتمكن من نيلها في هذا البلد، وهي أمور لا تحل شرعا فإنه حينئذ يكون سفر معصية.
ويلاحظ ذلك من المسافرين حينما يصلون إلى جهاتهم التي قصدوها بالسفر، وهذا هو الغالب -والله أعلم- وقوعه من الناس في هذه الأيام إلا ما رحم ربي، فتجد نهارهم قد انقلب إلى ليل، فنهارهم نوم وليلهم سهر تؤتى فيه المحرمات والمنكرات، وتضيع فيه الصلوات، ويشرب فيه ما حرم الله من المسكرات، ويتساهل أثناءه في التبرج والاختلاط، ويشتغل فيه بحظوظ النفس العاجلة والشهوات عما خلق الله العباد لأجله من معرفته وعبادته.
فيا أيها الناس:
واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [البقرة:281].
ورحم الله القائل:
وا حسرتي، وا شقوتي من يوم نشر كتابيا.
واطول حزني إن أكن أوتيته بشماليا.
وإذا سئلت عن الخطأ ماذا يكون جوابيا.
وا حر قلبي أن يكون مع القلوب القاسية.
وإما الإسراف في الإنفاق في إقامة الاحتفالات بمناسبة النجاح والزواج حتى إنك لتجد بعض الناس يقيمون حفلا بمناسبة نجاح طفلة في السنة الثانية من المرحلة الابتدائية، فيقدمون إلى الناس بطاقات للدعوة أشبه ما تكون ببطاقات الدعوة إلى الزواج، ويقام الحفل في محل كبير.
وكان الأولى أن يقدم إلى هذه الطفلة هدية، وأن يدعى لها بالنجاح الدائم والفوز، وأن يبارك من حولها هذا النجاح، وأن يشعروها بأنها قد أدت عملا عظيما لا سيما إذا كانت متفوقة في العلوم الشرعية، محافظة على صلاتها، متقية لما نهى الله تبارك وتعالى عنه، وذلك لا يتأتى طبعا إلا بتوجيه الوالدين وحسن التربية والتنشئة.
أما هذا، فإن الإنكار عليه لازم، ولا يستحيا في أن ينكر على من يفعلون هذا الفعل، الإسراف في الإنفاق في إقامة الاحتفالات منكر أيضا؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل المسرفين إخوانا للشياطين فقال في سورة الإسراء: ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا [الإسراء:26-27].
فاعلموا أيها الناس: أن المال ينبغي أن ينفق في طاعة الله وفي مراضيه، وأن يربأ به عن الإنفاق في مساخطه سبحانه. بل ينبغي أن يسرف في مواساة الحاجات وسد الخلات وتفريج الهموم والكربات، وإعداد العدة لما أمرنا الله أن نستعد له من مواجهة الأعداء والاستعداد والتجهيز لذلك، هذا ما ينبغي أن ينفق فيه المال وإلا كان الحساب عليه عسيرا وشديدا.
فيا أيها الناس:
إن الله قد جعل لحياتكم أجلا معلوما، إذا بلغتموه فلن تتأخروا أو تتقدموا عنه ساعة، كما قال الحسن البصري رحمه الله: لم يضرب الله للناس أجلا دون الموت، حتى يقول الناس نتوب إذا ما بلغنا أو تزوجنا أو حججنا أو نحو ذلك مما يقوله الناس. فإن الله عز وجل لم يحدد للناس أجلا قبل الموت. حتى إذا ما بلغوه تابوا عما وقع منهم وعما سلف منهم، واعتذروا وعادوا إلى الله. لا. ضرب الله لحياتنا أجلا إذا بلغناه فلن نستطيع أن نتأخر أو نتقدم عنه ساعة.
فالسعيد حقا هو من صبر في هذه الدنيا على التكاليف التي جعلها الله في طوقنا وفي قدرتنا فقال: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [البقرة:286]. فالسعيد هو من صبر على هذه التكاليف، وصبر على الطاعات، وصبر على المعاصي حتى يفوز برضى الله في الدنيا وفي الآخرة.
فيا أيها الناس عليكم بمعرفة الله عز وجل من خلال كتابه وسنة رسوله والآيات المبثوثة في الكون، فإن معرفة الله عز وجل سبب للخيرات كلها وسبب لسعادة العبد في الدنيا والآخرة، والجهل بالله سبحانه سبب للكفر والفسوق والعصيان، نعوذ بالله من الجهل به ومما ينشأ عن ذلك الجهل.
تعرفوا على الله من خلال كتابه، اقرءوا قوله تعالى في سورة الروم: الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شىء سبحانه وتعالى عما يشركون [الروم:40].
وتعرفوا على الله من خلال سنة رسوله فإن النبي يقول في الحديث الصحيح: ((يطوي الله سبحانه وتعالى السموات يوم القيامة بيمينه ويقبض الأرض بشماله ويقول: أنا الملك. أنا الجبار أين ملوك الأرض، أين الجبابرة)).
هذا يلقي في قلوبكم محبة الله عز وجل وتعظيمه وتوقيره، ويعرفكم أنكم مراقبون وأنكم واقعون تحت سمعه وبصره، ليس كمثله شيء، ليس كمثل سمعه وبصره سبحانه سمع ولا بصر، بل ليس كمثله في أسمائه وصفاته وألوهيته وربوبيته شيء وهو السميع البصير سبحانه.
وإياكم والجهل بالله تبارك وتعالى فإنه يوقعكم في المهالك ويودي بكم في الردى فتندمون أشد الندم على جهلكم يوم لا ينفع ندم، يوم لا ينفع ندم ولا ينفع إلا الصدق والإيمان والطاعة والخوف والوجل والإشفاق من الله عز وجل والإنابة والتقرب إليه بما يحب ويرضى.

تارك الصلاة

0 التعليقات

فجلجلة الأذان بكل حي ___ ولكن أين صوت من بلالِ
منابرنا علت في كل ساح___ ومسجدنا من العباد خالِ

حي على الصلاة 
يا تارك الصلاة إعلم أني أكلمك لأني أحبك وما كنت لأكره مسلما موحدا ولكن أكره معصيتك لربي
أخي هل تفكرت يوما بالموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته 
هل نمت يوما تحت لحافك في ليلة مظلمة وأغمضت عينيك وتخيلت أنك في ظلمة القبر- فريدا وحيدا لا مال ولا حشم ولا خدم ولا أبناء ولا خلان ولا أم رحيمة ولا أب رؤوف - تنتظر سؤالا عن صلاتك ماذا فعلت بها ؟!!!
ألم يخبرك شيخك أن سيدنا النبي قال :
أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله .
الطبراني .
أتترك صلاتك لأجل المال أم لأجل المنصب أم تكبرا أم تجبرا؟! أما علمت مصير من تركوا الدين لذلك ؟!!!
إسمع إذن, قال قائدنا صلى الله عليه وسلم :
" من حافظ عليها (أي على الصلاة ) كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة, ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف " . رواه أحمد
تارك الصلاة أترضى أن تكون مع قارون الذي صده ماله
أم مع أُبي بن خلف الذي صده تكبره
أبي وما أدراك ما أبي ؟!!!!
ذلك الذي لم يقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده غيره .
أم مع فرعون الذي صده تجبره
أم مع هامان الذي صدته السلطة
ألم تجلس يوما متفكرا أمام قوله تعالى :
فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ,إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا .
هل أنت قبل الإستثناء أم بعده ؟
آه ثم آه لو تفكرت بحديث واحد لكفاك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا
رواه الطبراني في الصغير والأوسط وإسناده حسن
فكم من رجل قد أقعده المرض أمنيته ام يضع جبينه على الأرض لله تعالى ألم تزر المشافي يوما ألم تقف على إطلال المقابر يا سيدي
من خان حي على الفلاح 

آداب الطريق

0 التعليقات
اعلموا - وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه- أن ديننا الإسلامي الحنيف دين شامل لكل مناحي الحياة، فهو دين المبادئ والقيم، ودين الأخلاق والمعاملة، فلم يدع مجالاً من مجالات الحياة إلا بين فيها الحسن ليمتثل، والقبيح ليجتنب. ومما يدل على شمولية الدين لكل مناحي الحياة، ما أوضحه الكتاب والسنة وآثار الأئمة من آداب الطريق، وحقوق المارة، ومجالس الناس العامة والخاصة ، يقول الله - تعالى - في الكتاب العزيز: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } 4.
إن مصادر الشريعة الموثوقة مليئة بأمثال هذه النصوص المؤكدة لهذه الحقوق، والمرشدة إلى هذه الآداب.
فعباد الرحمن من سماتهم أنهم يمشون في الطريق هوناً، لا تصنع ولا تكلف، ولا تكبر ولا خيلاء، وإنما وقار وسكينة، من غير مذلة وجد وقوة ، من غير تكبر ولا خيلاء وبطر ، تأسياً بالقدوة العظمى محمد صلى الله عليه وسلم ، وتلك هي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، يمضي إلى قصده هينا مستقيما لا يصعر خده استكباراً، ولا يمشي في الأرض مرحاً، قال تعالى : { وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً } 5 . وقال تعالى: { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } 6 .
ومن سماتهم إنهم إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، فهم أصحاب الأخلاق العالية، والآداب الرفيعة، في مشيهم وهديهم ودلهم ، وفي حديثهم أولى وأحرى ، مع صدقهم ، وقوة حجهم وحلمهم وصفحهم ، وإعراضهم عن البذيء من القول، والفحش من الحديث ، وتجنباً لحماقة الحمقى، وسفاهة السفهاء.
لا يرفعون أصوتهم من غير حاجة، فـ ( إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) ( لقمان :19) ، و لأن رفع الصوت خلق سيء وأدب سمج ، يسلكه ضعيف الحجة ، واهي البرهان يريد إخفاء رعونته وجهله برفعة صوته، وإغلاظه في كلامه مع الاخرين ...
ولا يتكلمون فيما لا يعود عليهم بفائدة ؛ وإنما { إِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ } 7.
أيها الناس: جاء في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والجلوس في الطرقات " قالوا : يا رسول الله، مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، قال رسول الله: " فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه" قالوا : وما حقه؟ قال: " غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " 8.
وعد النبي صلىالله عليه وسلم من أبواب الخير: " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك الرجل الردئ البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة " 9.
ودعا الإسلام إلى حفظ الحقوق العامة والخاصة، ومن الحقوق والآداب العامة حقوق وآداب الطريق، والتي ذكرنا بعضها في حديث أبي سعيد الخدري السابق، وقد جمع محدث زمانه، وحافظ عصره، الإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، بعض هذه الحقوق والآداب بقوله:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطر يق من قول خير الخلق إنساناً
أفش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطساً وسلاماً رد إحساناً
في الحمل عاون ومظلوماً أعن وأغث لهفان أهد سبيلاً وأهد حيراناً
بالعرف مر وأنه عن نكر وكف أذى وغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا أمة الإسلام: لقد حذرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الجلوس على الطرقات، وذلك لأن في الجلوس على الطرقات تعرض للفتن من النظر إلى النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات الأتي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وهو كذلك تحذير للنساء من كثرة الخروج إلى الأسواق والأماكن العامة لغير حاجة؛ لما فيه من مفسدة تعرضهن للأذية من أعين الذئاب البشرية، ومزاحمتهن للرجال على الطرقات، وخاصة في أيامنا هذه التي كثر فيها خروج النساء إلى الأسواق، وإلى الوظيفة والعمل، أضف إلى ذلك قلة الحياء عند بعضهن فضلاً عن قلة الدين.
فتجد الطرقات والأرصفة مليئة بالشباب التائه الضائع يتصيدون النساء، وحتى طالبات المدارس بعد خروجهن من المدرسة، فتجد الأرصفة ملأ بهؤلاء الشباب الذين لم يعطوا أي حق للطريق ، ولم يراعوا حرمة أعراض المسلمين ، فأطلقوا العنان للبصر بدلا عن أن يغضوه، وبذلوا الأذى بدلا من أن يكفوه ، وأمروا بالمنكر وكان المفترض أن يأمروا ينهوه، فهؤلاء يحرم عليهم الجلوس على الطرقات، ويأثموا ببقائهم فيها؛ لأنهم لم يعطوا الطريق حقه ، وبعض هؤلاء يجلسون عند أبواب المحلات في الأسواق يتصيدون الداخل الخارج ، ويشوشون على أصحاب المحلات رزقهم مصدر عيشهم...
فهؤلاء الذين يتخوضون في أعراض المسلمين ، وهؤلاء الذين ينتهكون حرمات المؤمنين ، أما يتقون الله ، أما يخافون عقابه ، هل يرضون أن يفعل ذلك أحد مع أخواتهم أو زوجاتهم أو إحدى قريباتهم ؟ أو لا يعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ولا يظلم ربك أحداً؟؛ وعن ابن عمر قال : صعد رسول الله صلى اله عليه وسلم على المنبر فنادى بصوت رفيع فقال : " يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لاتؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " 10.
يروى أن شابا أراد السفر لغرض التجارة، فأوصاه أبوه بالمحافظة على بتقوى الله في السر والعلن، وحذره من اقتراف المعاصي والآثام؛ فسار هذا الشاب في سفره، وفي يوم من الأيام والشاب مسافر، كان عند الأب شاب سقا يجيء إليه بالماء ، وكانت عادته أن يطرق الباب، فتفتح له بنت ذلك الرجل ، وفي يوم من الأيام فوجئ الرجل بذلك السقا يقبّل ابنته ويهرب، فما كان منه إلا أن تحين رجوع ابنه من سفره ليسأله عن سفره وعن أخباره وماذا فعل في غيابه ، فأجابه الابن بكل شيء ،من أمور التجارة الربح وتحقق له منه ، إلا أن الأب سأله مرة أخرى عن ماذا فعل في سفره من المعاصي؟ فأنكر الابن، ولكن بعد إلحاح الأب عليه جعل يعترف، وكان مما اعترف به أنه رأى امرأة شابة فظفر منها بقبلة، فقال له أبوه دقة بدقة، ولو زدت لزاد السقا، قال الشاعر:
يا هاتكا حرم الرجال وتابعا طرق الفساد فأنت غير مكرم
من يزن في قوم بألفي درهم في أهل يزني بربع الدرهم
إن الزنا دين إذا استقرضته كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم
فكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، ولا يظلم ربك أحداً، قال الله تعالى: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } 11.
أقول ماسمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه
أيها المسلمون: إن هذه المجالس التي يجتمع فيها الناس ويتحدث فيها بعضهم إلى بعض في غالبها لا يذكرون الله - تعالى-، بل يغلب فيها الكذب والغيبة والنميمة، وقول الزور والفحش، والسباب واللعان، وغيرها من المنكرات، وما اجتمع قوم في مكان لا يذكرون الله فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة، والبعض يجلسون للعب بالبلوت، والشطرنج، والنرد، والكيرم، وغير ذلك من الألعاب التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، قال الله - تعالى-: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } 12. أيها الأخوة: إن في الجلوس على الطرقات أذية للمارة، وتضييق للطريق على المسافرين، وفي منعه صلى الله عليه وسلم للجلوس على الطرقات منعاً لكثير من المفاسد؛ كالعادات القبيحة التي يتعلمها الجالسون على الطرقات؛ ومنها التدخين، ومضغ القات، والمظاهر الشاذة في اللباس أو الشعر، وغيرها من الأخلاق السيئة، وإلف المعصية؛ وذلك لكثرة ما يرى من المعاصي والمنكرات فيصبح لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، أو يزيد البلاء بلاء فيسمي المعروف منكرا والمنكر معروفا! أو يرتقي به الحال فيصير يفتخر بالمعصية ويتباهى بها، ويحدث بها من لم يعلم الناس أنه عملها!
ومن المفاسد تعود البطالة وقتل العمر، والاستهانة بالوقت؛ فأرخص شيء عند هؤلاء هو الوقت، فساعات تهدر، وأيام تضيع، وأعمار تذبح على مذبح اللهو واللعب... وما أكثر ما نسمع على لسان هؤلاء عبارات: نريد أن نقتل الوقت، نحن فارغون ماذا نفعل؟ نحن في إجازة! ونسوا أو تناسوا أن الله أمر الفارغ من العبادة بخلاف ذلك، فقال تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ } 13 فكيف بمن هو في لهو دائم والله المستعان.
ومن المفاسد أيضا التهيؤ للجريمة وأسبابها وممارستها والاحتيال على الناس، مما يتعلمه الكثيرون من مثل هذه المجالس ، فيبدأ الأمر باحتيال على صاحب البقالة أو صاحب سيارة الأجرة، وينتهي إلى السرقة المنظمة! أويبدأ الأمر بسماع الأغاني الخليعة الفاجرة الماجنة، ثم مشاهدة الأفلام العارية، وينتهي إلى فعل الفاحشة- والعياذ بالله-. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يجمع لنا خير الآخرة والأولى، وأن يتوفانا وهو راض عنا، وأن لا يسلط علينا من لا يخافه فينا ولا يرحمنا، وأن يجعل الجنة هي دارنا، وأن لا يجعل إلى النار مصيرنا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين...
والحمد لله رب العالمين.
________________________________________
1 - سورة النساء(1).
2 - سورة آل عمران(102)
3 - سورة الأحزاب (70) (71).
4 - سورة الفرقان(63).
5 - سورة الإسراء(37).
6 - سورة لقمان(18).
7 - سورة القصص(55).
8 - رواه البخاري ومسلم.
9 - رواه الترمذي والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان، وصححه الألباني في الصحيحة برقم(572).
10 - أخرجه الترمذي وحسنه الألباني في غاية المرام رقم(420).
11 - سورة النحل (118) .
12 - سورة المائدة(90-91).
13 - الشرح(7)

قصة قارون

0 التعليقات

ملخص الخطبة
1- تعريف بقارون. 2- مشهد الخيلاء والكبرياء. 3- أهل الخير والصلاح يقومون بالبلاغ. 4- تطاول قارون على الناصحين. 5- مهلك قارون. 6- دروس من قصة قارون.

-------------------------
الخطبة الأولى
فتح الله عليه أبواب النعيم، وسبل الرزق، وطرق الكسب، فعظمت أمواله، وكثرت كنوزه، وفاضت خزائنه، وأوتي بسطة في الرزق، ورخاء في العيش، وكثرة في المال؛ فعاش في ترف وبذخ، وكبر وبطر، وفخر وخيلاء. طغى وتجبر، فسق وتمرد، تطاول وتمادى، زاد نهمه، وكثر خدمه، وعظم حشمه، حتى ظن أن لن يقدر عليه أحد، عميت بصيرته، وعظم زهوه، وزاد غروره، واغتر به كثير من الناس، ورنت إليه بعض الأبصار، وتمنت مكانه فئام من البشرية. فلما بلغ الأمر مبلغه، والفتنة أشدها، والتمادي منتهاه، حلت العقوبة، وكانت الفاجعة، ونزلت الكارثة، وعظمت العبرة.
فمن هو هذا الغني، ومن يكون ذلك الثري، وما هي قصته، وكيف كانت نهايته؟!!
استمع الآن إلى البيان المعجز، والخبر الصادق، والنبع الصافي، ليروي لك القصة، ويسرد لك الحكاية، ويعلمك بالنهاية:
قال الله تعالى: إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة [القصص:76].
بدأت القصة بتحديد البطل؛ فبطل القصة: قارون، وحددت قومه من قوم موسى، ويقال ابن عم موسى عليه السلام، وقررت مسلكه مع قومه، فهو مسلك البغي، وقررت سبب ذلك البغي، وهو الثراء وكثرة الأموال.
فقارون موجود في زمن نبي من أنبياء الله وهو موسى عليه السلام، وهنا إشارة إلى أمرين مهمين:
الأمر الأول: أن قارون لم يستفد من وجود هذا النبي الكريم، ولم يتعظ بمواعظه، ولم يستجب لدعوته، ولم يتخلق بأخلاقه.
والأمر الثاني: الإشارة إلى أن قرابته لموسى، وصلته به، لم تغن عنه شيئا من عذاب الله تعالى.
فبغى عليهم فلم يحدد نوع ذلك البغي، وهذه إشارة على عظمته وشناعته وتنوعه. بغى عليهم بالكبر، بغي عليهم باغتصاب أموالهم، بغى عليهم بمنعهم حقوقهم في هذا المال، بغى عليهم بالظلم بغى عليهم بكل ما تحمله كلمة البغي من معان.
وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، آتيناه فالرزق من عندنا، والمال من لدنا، وليس بمهارة قارون، ولا بعلمه، ولا بأفضليته، فالأرزاق بيد الله، وهو الذي يقسم أرزاقه على عباده، وليس في إعطائه للعبد دلالة على رضاه عنه، وليس في منعه عن العبد دلالة على سخطه عليه، بل قد يكون الأمر على العكس من ذلك.
هو الرزق لا حل لديك ولا ربط …ولا قلم يجدي عليك ولا خط
فطير يطوف الأرض شرقا ومغربا…وآخر يعطى الطيبات ولا يخطو
يقال: إن مفاتيح خزائن قارون إذا انتقل من مكان إلى مكان كانت تحمل على ستين بغلا أغر محجلا.
هذا هو المشهد الأول من مشاهد القصة، رجل من قوم موسى وصل إلى قمة الثراء، بغى على قومه.
المشهد الثاني: مشهد أهل الخير الصلاح، والنصح والإرشاد، والعلم والهدى، قاموا بمسؤولية البلاغ، وواجب النصيحة، فحينما رأوا قارون تمادى في طغيانه، وزاد في بغيه، مع غرور واستئثار، وبطر واستكبار، حاولوا أن يثيروا فيه روح الخير، وينبهوه من غفلته، فنصحوه أن لا يغويه المال، ولا يغره الثراء، فيحول بينه وبين الإحسان إلى قومه، والمراقبة لربه، والأخذ من الدنيا بنصيب، ومن الآخرة بنصيب فإن لله حقا، وللناس حقا، وللنفس حقا، وللزوجة حقا، فيجب أن يعطى كل ذي حق حقه. ونهوه عن الفرح الذي يدفع إلى الزهو والغرور، وبينوا له أن الله تعالى يمقت الفساد والمفسدين، وأن هذا المال ظل زائل ووديعة مستردة، فلا يفرح ولا يغتر، بل يجب أن يتخذه وسيلة لقضاء مآربه في الدنيا، وطريقا لسعادته في الآخرة. وقد أوجز القرآن لك الموعظة البليغة التي وعظ بها قارون، فقال تعالى: إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين [القصص:77].
فماذا كانت ثمرة الموعظة ونتيجة النصيحة؟ أجابهم بجملة واحدة ولكنها تحمل شتى معاني الفساد والإفساد، جملة تحمل في طياتها الكبر والبغي والطغيان قال إنما أوتيته على علم عندي.
أوتيته بعلمي، بمهارتي، بقدراتي، بأفضليتي واستحقاقي لهذا المال، فكان متطاولا في كلامه، جافيا في رده، جريئا في مقولته؛ مقولة المغرور المطموس الذي نسي مصدر النعمة، وتنكر لصاحب الفضل، وكفر بمن يستحق الشكر.
ولذلك جاء التهديد والإشارة بالوعيد، والرد على مقولته الفاجرة، جاء ذلك قبل تمام الآية، ونهاية القصة، فقال تعالى: أولم يعلم أن الله أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون [القصص:78].
كانت المشاهد الأولى تحكي البغي والتطاول، والإعراض عن النصح، والتعالي عن العظة، والإصرار على الفساد، والاغترار بالمال، والبطر الذي يقعد بالنفس عن الشكران.
ثم يجيء بعد ذلك مشهد من مشاهد القصة، وهو المشهد الذي يخرج فيه قارون على قومه في زينته، وكأنه بذلك يكيد للذين نصحوه ويستخف بمشاعرهم، ويبالغ في إيلامهم، فيخرج في منتهى الزينة، وغاية الكبر، ونهاية الغرور، فتطير لذلك قلوب فريق من القوم، وتتهاوى أنفسهم لمثل ما أوتي قارون، ويرون أنه صاحب حظ عظيم، وخير عميم، وذلك لأنهم أصحاب نظرية مادية، وأفكار دنيوية.
فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم [القصص:79]. وهنا يتدخل أهل العلم والحكمة مرة أخرى، ويتأنقون في النصيحة، ويجتهدون في الموعظة، قال تعالى: وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون [القصص:80].
فذكروهم بالرجاء فيما عند الله، والاعتزاز بثوابه، والفرح بعبادته، فجيب أن يكونوا أعلى نفسا، وأكبر قلبا، ولا يلقاها إلا الصابرون الصابرون على معايير الناس ومقاييسهم، الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها، الصابرون على الفقر ومعاناته، الصابرون على شظف العيش ومقاساته، الصابرون على الحرمان من كثير من متع الدنيا، لأنهم علموا أن الصابرين يوفون أجورهم بغير حساب.
ثم يجيء المشهد المرعب في القصة، مشهد الخاتمة المشينة، والمصرع الوخيم، والانتقام العظيم فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين [القصص:81].
هكذا كانت النهاية بعد أن عظمت الفتنة، واشتدت المحنة. هذه نتيجة الكبر والبطر والغرور والخيلاء، والجحود والإصرار، والتألي على عباد الله، ابتلعته الأرض، وساخت فيها أمواله وقصوره.
يقول : ((بينا رجل فيمن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما، أمر الله فأخذته، فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة)) [رواه أحمد].
وبعد هذه النهاية الخاسرة، أصبح الذين تمنوا مكان قارون يحمدون الله أن من عليهم ونجاهم من الخسف، قال تعالى: وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون [القصص:82].
ثم تختم القصة بهذا المقطع الجميل الذي يؤكد أن الفوز والفلاح هو في الدار الآخرة وأن الله تعالى يجعل جناتها ونعيمها، وأنسها وسرورها وأنهارها وحورها، لأهل الإيمان والتواضع والتقوى والإحسان، والبعد عن الفساد، قال سبحانه: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين [القصص:83].
بعض الدروس المستفادة من القصة:
1- أن نسب الإنسان وحسبه لا يغني عنه من الله شيئا.
2- أن الرزق هو من عند الله تعالى فهو مقدر الأقدار، ومقسم الأرزاق.
أما ترى البحر والصياد منتصب …لرزقه ونجوم الليل محتبكه
قد غاص في لجة والموج يلطمه……وعينه لم تزل في كلكل الشبكة
حتى إذا بات مسرورا بليلته……بالحوت قد شق سفود الردى حنكه
شراه منه الذي قد بات ليلته ……خلوا من البرد في خير من البركه
سبحان ربي يعطي ذا ويحرم ذا ……هذا يصيد وهذا يأكل السمكه
3- عدم الفرح بالدنيا، فرح زهو وكبر وغرور، فإن هذه هي المهلكة الكبرى، والداهية العظمى، فالكبر والغرور عاقبتها وخيمة.
يقول أحد المتكبرين:
أتيه على جن البلاد وإنسها ……فلو لم أجد خلقا لتهت على نفسي
أتيه فما أدري من التيه من أنا……سوى ما يقول الناس في وفي جنسي
4- مقياس السعادة والسرور في الدنيا هو بطاعة الله تعالى والإحسان إلى عباده، وليست السعادة ولا الريادة بكثرة الغنى.
5- أن الإسلام يدعو إلى إعمار الأرض والسير في مناكبها، والأخذ بنصيب من الدنيا، ولكن يجعل ذلك كله طريقا إلى الدار الآخرة، ويحسن الإنسان كما أحسن الله إليه.
6- أن الفساد وأهله ممقوتون بعيدون من محبة الله. فويل لمن سخروا أموالهم لإفساد عباد الله، أين يذهب أصحاب الأموال الطائلة من ربهم، وقد سخروا أموالهم في إفساد الناس، ونشر الفاحشة، والدعوة إلى الرذيلة؟!
7- يجب على أهل العلم والخير أن يقوموا بمسؤولية الدعوة وواجب النصيحة.
8- أن الصبر سبب للخير والفلاح، والتوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة.
9- أن العاقبة للمتقين، والفوز للصالحين، والآخرة للمؤمنين المجتهدين المتواضعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

خشية الله والخوف منه

0 التعليقات

ملخص الخطبة
1- جرأة الناس على معاصي الله. 2- الخوف من الله صفة المؤمنين ، وتتافوة هذه الصفة بقدر إيمانهم. 3- مراتب الخوف.

4- أقوال السلف في الخوف. 5- أحوال السلف في الخوف. 6- ضعف جانب الخوف عند آخرين. 7- مم خاف السلف وبكوا؟

-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وخافوه واخشوه وحده ولا تخشوا أحدا غيره وكما قال ا
لفضيل: من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد قال تعالى: فلا تخشوا الناس واخشون ، فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين .
أيها الإخوة: سوف يكون حديثي في هذه الخطبة عن مقام الخوف من الله عز وجل وسبب اختياري لهذا الموضوع هو ما أراه وأشاهده من بعد الناس عن الله وتجرؤهم عليه بأنواع المعاصي والذنوب التي ما ارتكبها هؤلاء الناس إلا بسبب ضعف جانب الخوف من الله في قلوبهم وبسبب غفلتهم عن الله ونسيان الدار الآخرة، فالخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة وقلّ أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى والشهوة والغفلة فالخوف هو الذي يهيج في القلب نار الخشية التي تدفع الإنسان المسلم إلى عمل الطاعة والابتعاد عن المعصية.
ولهذا إذا زاد الإيمان في قلب المؤمن لم يعد يستحضر في قلبه إلا الخوف من الله، والناس في خوفهم من الله متفاوتون ولهذا كان خوف العلماء في أعلى الدرجات وذلك لأن خوفهم مقرون بمعرفة الله مما جعل خوفهم مقرون بالخشية كما قال تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء والخشية درجة أعلى وهي أخص من الخوف، فالخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء العارفين وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية، كما قال النبي : ((إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية)) وقال: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله)) قال الإمام أحمد: هذا يدل على أن كل من كان بالله أعرف كان منه أخوف. والخوف: هو اضطراب القلب ووجله من تذكر عقاب الله وناره ووعيده الشديد لمن عصاه والخائف دائما يلجأ إلى الهرب مما يخافه إلا من يخاف من الله فإنه يهرب إليه كما قال أبو حفص: الخوف سراج في القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله عز وجل، فإنك إذا خفته هربت إليه. فالخائف هارب من ربه إلى ربه قال تعالى: ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ، قال أبو سليمان الداراني: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب. وقال إبراهيم بن سفيان: إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها.
وقال ذو النون: الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق. وقال أبو حفص: الخوف سوط الله، يقّوم به الشاردين عن بابه.
والخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه ويبن محارم الله عز وجل فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيميه: الخوف المحمود: هو ما حجزك عن محارم الله وهذا الخوف من أجلّ منازل السير إلى الله وأنفعها للقلب وهو فرض على كل أحد.
ومن كان الخوف منه بهذه المنزلة سوف يحجزه خوفه عن المعاصي والمحرمات فلا يأكل مالا حراما ولا يشهد زورا، ولا يحلف كاذبا، ولا يخلف وعدا ولا يخون عهدا ولا يغش في المعاملة ولا يخون شريكه ولا يمشي بالنميمة، ولا يغتاب الناس ولا يترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يزني ولا يلوط ولا يتشبه بالنساء ولا يتشبه بالكفرة أعداء الدين ولا يتعاطى محرما ولا يشرب المسكرات ولا المخدرات ولا الدخان ولا الشيشة ولا يهجر مساجد الله ولا يترك الصلاة في الجماعة ولا يضيع أوقاته في اللهو والغفلة بل تجده يشمر عن ساعد الجد يستغل وقته كله في طاعة الله ولهذا قال : ((من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ألا وإن سلعة الله غالية ألا وإن سلعة الله هي الجنة)) رواه الترمذي وهو حديث حسن والمراد بهذا الحديث التشمير في الطاعة والاجتهاد من بداية العمر لأن الجنة غالية تحتاج إلى ثمن باهظ ومن سعى لها وعمل صالحا وسار من أول الطريق نال بغيته إن شاء الله.
ولهذا كان السلف الصالح يغلّبون جانب الخوف في حال الصحة والقوة حتى يزدادوا من طاعة الله ويكثروا من ذكره ويتقربوا إليه بالنوافل والعمل الصالح.
أيها الإخوة: إن رجحان جانب الخوف من الله في قلب المؤمن هو وحده الذي يرجح الكفة وهو وحده الذي يعصم من فتنة هذه الدنيا وبدون الخوف لا يصلح قلب ولا تصلح حياة ولا تستقيم نفس ولا يهذب سلوك وإلا فما الذي يحجز النفس البشرية عن ارتكاب المحرمات من زنى وبغى وظلم وركون إلى الدنيا غير الخوف من الله، وما الذي يهدئ فيها هيجان الرغائب وسعار الشهوات وجنون المطامع؟ وما الذي يثبت النفس في المعركة بين الحق والباطل وبين الخير والشر؟ وما الذي يدفع الإنسان إلى تقوى الله في السر والعلن سوى خوف الله، فلا شيء يثبت الإيمان عند العبد رغم الأحداث وتقلبات الأحوال في هذا الخضم الهائج إلا اليقين في الآخرة والإيمان بها والخشية والخوف مما أعده الله من العذاب المقيم لمن خالف أمره وعصاه. فتذكر الآخرة في جميع الأحوال والمناسبات والظروف يجعل عند الإنسان حسا مرهفا يجعله دائم اليقظة جاد العزيمة دائم الفكر فيما يصلحه في معاشِه ومعادِه كثير الوجل والخوف مما سيؤول إليه في الآخرة، ففي كتاب الزهد للإمام أحمد عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قلت ليزيد! ما لي أرى عينيك لا تجفّ؟ قال: يا أخي إن الله توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو توعدني أن يسجنني في الحمام لكان حريا أن لا يجف لي دمع.
وروى ضمرة عن حفص بن عمر قال: بكى الحسن البصري فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني في النار غدا ولا يبالي. ولهذا من خاف واشتد وجله من ربه في هذه الدنيا يأمن يوم الفزع الأكبر فعن أبي هريرة عن النبي فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال: ((وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين: إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة)) رواه أبن حبان في صحيحه.
أيها الأخوة: لقد عاش المسلمون الذين تلقوا هذا القرآن أول مرة عاشوا مشاهد الآخرة فعلا وواقعا كأنهم يرونها حقيقة ولم يكن في نفوسهم استبعاد لذلك اليوم بل كان يقينهم بذلك اليوم واقعا تشهده قلوبهم وتحسّه وتراه وتتأثر وترتعش وتستجيب لمرآه ومن ثم تحولت نفوسهم ذلك التحول وتكيفت حياتهم على هذه الأرض بطاعة الله وكأن النار إنما خلقت لهم قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز، كأن النار لم تخلق إلا لهما. وحق لهما أيها الإخوة ولكل مؤمن أن يخاف من النار وأن يستعيذ بالله منها لأن الخبر ليس كالمعاينة يقول : ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد)) رواه مسلم وقال في وصف النار محذرا منها: ((نار الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم)) ولهذا كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم إذا رأى أحدهم نارا اضطرب وتغير حاله فهذا عبد الله بن مسعود مر على الذين ينفخون على الكير فسقط مغشيا عليه وهذا الربيع بن خثيم رحمه الله مر بالحداد فنظر إلى الكير فخر مغشيا عليه، وكان عمر بن الخطاب ربما توقد له نار ثم يدني يديه منها ويقول: (يا ابن الخطاب هل لك صبر على هذا). وكان الأحنف رضي الله عنه: يجئ إلى المصباح بالليل فيضع إصبعه فيه ثم يقول: (حس، حس ثم يقول يا حنيف، ما حملك على ما صنعت يوم كذا وكذا يحاسب نفسه) وفي الحديث: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم)).
أيها الاخوة :إن أمر القيامة أمر عظيم رهيب، يرجّ القلب ويرعب الحس رعبا مشاهده يرجف لها القلوب والله سبحانه أقسم على وقوع هذا الحادث لا محالة فقال في سورة الطور إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع فهو واقع حتما، لا يملك دفعه أحد أبدا والأمر داهم قاصم ليس منه دافع ولا عاصم كما أن دون غد الليلة، فما أعددنا لذلك اليوم، وما قدمنا له وهل جلس كل منا يحاسب نفسه ما عمل بكذا وما أراد بكذا بل الكل ساهٍ لاه، والكل في سكرته يعمهون ويلعبون ويضحكون ويفسقون ويفجرون وكأن أحدهم بمنأى من العذاب وكأنهم ليس وراءهم موتا ولا نشورا ولا جنة ولا نارا ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين يقول الحسن البصري رحمه الله: (إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه ما أردت بكلمتي، ما أردت بأكلتي ما أردت بحديثي، وإن الفاجر يمضي قدما ما يعاقب نفسه). فحقيق بالمرء أن يكون له مجالس يخلو فيها يحاسب نفسه ويتذكر ذنوبه ويستغفر منها.
أيها الأحبة: لقد كان المسلمون يعيشون مع القرآن فعلا وواقعا عاشوا مع الآخرة واقعا محسوسا، لقد كانوا يشعرون بالقرآن ينقل إليهم صوت النار وهي تسري وتحرق وإنه لصوت تقشعر منه القلوب والأبدان كما أحس عليه الصلاة والسلام برهبة هذا الأمر وقوته حتى أنه وعظ أصحابه يوما فقال: ((إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله عز وجل، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله والله لوددت أني شجرة تعضد)) رواه البخاري وفي رواية قال: ((عرضت علي الجنة والنار فلم أرى كاليوم في الخير والشر)) ثم ذكر الحديث فما أتى على أصحاب رسول الله يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين و الخنين هو البكاء مع غنّه، ولطول المطلع وشدة الحساب وتمكن العلم والمعرفة لدى رسول الله تمنى أن يكون شجرة تقطع وينتهي أمرها فكيف بنا نحن؟ عجبا لنا نتمنى على الله الأماني مع استهتارنا بالدين وبالصلاة وبكل شيء فماذا نرجو في الآخرة؟ وكما قيل:
يا آمنا مع قبح الفعل منه هل
أتاك توقيع أمن أنت تملكه
جمعت شيئين أمنا و اتباع هوى
هذا وإحداهما في المرء تهلكه
والمحسنون على درب الخوف قد ساروا
و ذلك درب لست تسلكه
فرطت في الزرع وقت البذر من سفه
فكيف عند حصاد الناس تدركه
هذا وأعجب شيء فيك زهدك في
دار البقاء بعيش سوف تتركه
نعم والله هذا حال الكثير من الناس اليوم لا يريدون أن يعملوا ولا يريدون أن يتذكروا فإذا ذكرت لهم النار قالوا: لا تقنط الناس، وهذا والله هو العجب العجاب يريدون أن يبشروا بالجنة ولا يذكروا بالقيامة وأهوالها ولا بالنار وسمومها وعذابها وهم على ما هم فيه من سيئ الأعمال وقبيح الصفات، قال: الحسن البصري: لقد مضى بين أيديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى، لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم، وقد ورد في الترمذي عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: ((ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها)) والسبب في ذلك ضعف جانب الخوف عند هؤلاء، لقد كان بعض السلف من شدة خوفه ووجله وكثرة تفكيره في أحواله الآخرة لا يستطيع النوم ولا الضحك ولا اللهو حتى يعلم أهو من الناجين أم لا، فهذا شداد بن أوس كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم ويقول (الله إن النار أذهبت مني النوم فيقوم يصلي حتى يصبح)، وهذا منصور بن المعتمر كان كثير الخوف والوجل كثير البكاء من خشية الله قال عنه زائدة بن قدامة: إذا رأيته قلت: هذا رجل أصيب بمصيبة ولقد قالت له أمه: ما هذا الذي تصنع بنفسك تبكى عامة الليل، لا تكاد أن تسكت لعلك يا بنيّ أصبت نفسا، أو قتلت قتيلا؟ فقال: يا أمه أنا أعلم بما صنعت نفسي، وهذا معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله وأنت وأنت؟ فقال: ما أبكي جزعاً من الموت أن حل بي ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن هما القبضتان، قبضة في النار وقبضة في الجنة فلا أدري في أي القبضتين أنا. يقول الحسن بن عرفه: رأيت يزيد بين هارون بواسط وهو من أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعد ذلك بعين واحدة ثم رأيته بعد ذلك وقد ذهبت عيناه فقلت له: يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان، فقال: ذهب بهما بكاء الأسحار.
والبكاء من خشية الله سمة العارفين قال عبد الله بن عمرو بن العاص : لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بمئة ألف درهم.
ولما جاء عقبة بن عامر إلى النبي يسأله: ما النجاة؟ نعم والله ما النجاة كيف ننجو من عذاب الله؟ فقال له: ((أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك)) وفي رواية قال: ((طوبى لمن ملك نفسه ووسعه بيته وبكى على خطيئته)).
وقد بين أن من بكى من خشية الله فأن الله يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فقال ((...ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)) بل حرم الله النار على من بكى من خشيته قال : ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع))، وفي رواية قال: ((حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله)) وكلا الحديثين صحيح.
وفي الأثر الإلهي: ((ولم يتعبد إلي المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي)).
أيها المسلمون :إن سلفنا الصالح كانوا يتوجهون إلى الله في خشية وبكاء ووجل وطمع الخوف من عذاب الله والرجاء في رحمته والخوف من غضبه والطمع في رضاه والخوف من معصيته والطمع في توفيقه يدعون ربهم خوفا وطمعا والتعبير القرآني يصور هذه المشاعر المرتجفة في الضمير بلمسة واحدة حتى لكأنها مجسّمة ملموسة إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين إنها الصورة المشرقة المضيئة لسلفنا الصالح رضوان الله عليهم كانوا يخافون ويرجون وكانوا يبكون حتى يؤثر فيهم البكاء فبكاؤهم ثمرة خشيتهم لله قال تعالى عنهم: ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا وقال أيضا: والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ، فبالخوف والخشية تحترق الشهوات وتتأدب الجوارح ويحصل في القلب الذبول والخشوع والذلة والاستكانة والتواضع والخضوع، ويفارق الكبر والحسد، بل يصير مستوعب الهم يخوفه والنظر في خطر عاقبته، فلا يتفرغ لغيره ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والمحافظة على الأوقات واللحظات ومؤاخذة النفس بالخطرات والخطوات والكلمات، ويكون حاله حال من وقع في مخالب سبع ضار لا يدري أنه يغفل عنه فيفلت أو يهجم عليه فيهلك، فيكون ظاهره وباطنه مشغولا بما هو خائف منه لا متسع فيه لغيره. هذا حال من غلبه الخوف واستولى عليه وهكذا كان حال جماعة من الصحابة والتابعين يقول بلال بن سعد: عباد الرحمن، هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من أعمالكم تقبلت منكم أو شيء من خطاياكم غفرت لكم والله لو عجل لكم الثواب في الدنيا لاستقللتم كلكم ما افترض عليكم من العبادة، وتنافسون في جنة أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ، ويقول أيضا: رب مسرور مغبون، ورب مغبون لا يشعر، فويل لمن بان له الدليل ولا يشعر يأكل ويشرب ويضحك، وقد حق عليه في قضاء الله عز وجل أنه من أهل النار فيا ويل لك روحا والويل لك جسدا فلتبك ولتبك عليك البواكي لطول الأبد. فبمثل هذه العبارات كان الرسول وكان السلف يجاهدون أنفسهم ويعظون غيرهم حتى ينتبه الناس من غفلتهم ويصحوا من رقدتهم ويفيقوا من سكرتهم رجاء أن يدركوا من سبقهم إلى الطريق المستقيم ويكون الخوف دافعا لهم على الاستقامة ما كانوا على وجه الأرض أحياء مكلّفين.
وفي الختام أحب أن أذكر نماذج من خوف بعض الصحابة والتابعين:
فهذا أبو بكر أفضل رجل في هذه الأمة بعد رسول الله نظر إلى طير وقع على شجرة فقال: ما أنعمك يا طير، تأكل وتشرب وليس عليك حساب وتطير ليتني كنت مثلك، وكان كثير البكاء وكان يمسك لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني الموارد) وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله، وهذا عمر الرجل الثاني بعد أبي بكر قال لابنه عبد الله وهو في الموت: (ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني ثم قال: بل ويل أمي إن لم يغفر لي ويل أمي إن لم يغفر لي)، وأخذ مرة تبنة من الأرض فقال: (ليتني هذه التبنة ليتني لم أكن شيئا، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت منسيا)، وكان يمر بالآية من ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياما معاد يحسبونه مريضا، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء، وهذا عثمان كان إذا وقف على القبر يبكي حتى يبل لحيته وقال: (لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصيرُ)، وهذا علي كما وصفه ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية يقول: كان والله بعيد المدى شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، ويتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفيه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه قابضا على لحيته يضطرب ويتقلب تقلب الملسوع ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه يقول للدنيا: إلي تعرضت، إلي تشوفت، هيهات هيهات غري غيري قد طلقتك ثلاثا فعمرك قصير ومجلسك حقير وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء وهو يقول: هكذا والله كان أبو الحسن.
وهذا ابن عباس كان أسفل عينيه مثل الشّراك البالي من البكاء.
وهذا أبو عبيدة يقول عن نفسه: وددت أني كنت كبشا فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويشربون مرقي، وهكذا كان حال صحابة رسول الله مع أنهم كانوا مبشرين بالجنة فهذا علي رضي الله عنه يصفهم ويقول: لقد رأيت أصحاب محمد فلم أرَ أحدا يشبههم منكم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا أو قياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقعون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب العزي من طول سجودهم إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبتل جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب. وهذا سفيان الثوري رحمه الله يقول: والله لقد خفت من الله خوفا أخاف أن يطير عقلي منه وإني لا أسأل الله في صلاتي أن يخفف من خوفي منه.
أيها الإخوة: هل من مشمر؟ هل من خائف؟ هل من سائر إلى الله؟ بعد هذا الذي سمعناه أرجو أن نكون مثل سلفنا علما وعملا خوفا ورجاء ومحبة فإن فعلنا ذلك كنا صادقين وكنا نحن المشمرين إن شاء الله.

-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده.
ثم أما بعد:
أيها الإخوة: لم يكن سلفنا الصالح يخافون ويبكون ويتضرعون نتيجة تقصيرهم أو نتيجة عصيانهم وكثرة ذنوبهم، كلا بل كانوا يخافون أن لا يتقبل الله منهم ولهذا لما سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله عن قوله تعالى: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أهو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه))، قال الحسن: عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية وإن المنافق جمع إساءة وأمنا.
وكان خوفهم أيضا من أن يسلب أحدهم الإيمان عند قوته يقول ابن المبارك: إن البصراء لا يأمنون من أربع خصال: ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الرب فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما فيه من الهلكات، وفضل قد أعطي لعله مكر واستدراج وضلالة قد زينت له فيراها هدى ومن زيغ القلب ساعة ساعة أسرع من طرفة عين قد يسلب دينه وهو لا يشعر.
وهذا سفيان الثوري رحمه الله كان يكثر البكاء فقيل له: يا أبا عبد الله بكاؤك هذا خوفا من الذنوب، فأخذ سفيان تبناً وقال: والله للذنوب أهون على الله من هذا ولكن أخاف أن أسلب التوحيد. وهذا أبو هريرة كان يقول في آخر حياته: (اللهم إني أعوذ بك أن أزني أو أعمل كبيرة في الإسلام)، فقال له بعض أصحابه: يا أبا هريرة ومثلك يقول هذا أو يخافه وقد بلغت من السن ما بلغت وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت النبي وبايعته وأخذت عنه، قال: (ويحك، وما يؤمنني وإبليس حي).
وكان بلال بن سعد يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من زيغ القلوب، وتبعات الذنوب ومن مرديات الأعمال ومضلات الفتن، قال أبو الدرداء : (مالي لا أرى حلاوة الإيمان تظهر عليكم، والله لو أن دب الغابة وجد طعم الإيمان لظهر عليه حلاوته، ما خاف عبد على إيمانه إلا منحه وما أمن عبد على إيمانه إلا سلبه) وكان من دعائه : (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ويا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك وطاعة رسولك)، ولما احتضر عمر بن قيس، الملائي بكى فقال له أصحابه: على ما تبكي من الدنيا فوالله لقد كنت غضيض العيش أيام حياتك فقال: والله ما أبكي على الدنيا وإنما أبكي خوفا من أن أحرم الآخرة.
يقول الإمام الغزالي: ولا يسلم من أهوال يوم القيامة إلا من أطال فكره في الدنيا فإن الله لا يجمع بين خوفين على عبد فمن خاف هذه الأهوال في الدنيا أمنها في الآخرة وليست أعني بالخوف رقة كرقة النساء تدمع عينيك ويرق قلبك حال الموعظة ثم تنساه على القرب، وتعود إلى لهوك ولعبك، فما هذا من الخوف في شيء فمن خاف شيئا هرب منه، ومن رجا شيئا طلبه، فلا ينجيك إلا خوف يمنعك من المعاصي ويحثك على الطاعة، وأبعد من رقة النساء خوف الحمقى إذا سمعوا الأهوال سبق إلى ألسنتهم الاستعاذة فقال أحدهم: استعنت بالله اللهم سلم سلم، وهم مع ذلك مصرون على المعاصي التي هي سبب هلاكهم، فالشيطان يضحك من استعاذته كما يضحك على من يقصده سبع ضار في صحراء ووراءه حصن فإذا رأى أنياب السبع وصرلته من بعد قال بلسانه: أعوذ بهذا الحصن الحصين وأستعين بشدة بنيانه وإحكام أركانه، فيقول ذلك بلسانه وهو قاعد في مكانه فأني يغني عنه ذلك من السبع وكذلك أهوال الآخرة ليس لها حصن إلا قول: لا إله إلا الله صادقا ومعنى صدقه أن لا يكون له مقصود سوى الله تعالى ولا معبود غيره)، فالله أسأل أن يجعلنا ممن إذا خافه أطاعه وابتعد عن معاصيه.

تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة

0 التعليقات
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛
من يهده فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-
عباد الله:
اتقوا الله تعالى, واعلموا أن من علامات كمال التوحيد في قلب العبد
أن يلجأ إلى الله تعالى في أحواله كلها, في سرَّائه وضرَّائه، وشدَّته ورخائه، وصحته وسقمه، وفي أحواله كلِّها،
وأن لا يقتصر على ذلك في حال الشدة فقط,
وملازمةُ المسلم للطاعة والدعاء حال الرخاءِ، ومواظبتُه على ذلك في حال السرَّاء
سببٌ عظيمٌ لإجابة دعائه عند الشدائد والمصائب والكُرَب،
وقد جاء في الحديث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فلْيُكثِر الدعاءَ في الرخاء )،
رواه الترمذي، والحاكم، وغيرُهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وسنده حسن.
وقد ذمَّ الله في مواطن كثيرة من كتابه العزيز
من لا يلجأون إلى الله ولا يُخلصون الدِّين إلاَّ في حال شدَّتهم،
أمَّا في حال رخائهم ويُسرهم وسرَّائهم، فإنَّهم يُعرضون وينسون ما كانوا عليه,
يقول الله تعالى: { وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ }
ويقول تعالى: { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ }،
والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ،
وهي تدلُّ دلالة واضحة
على ذمِّ مَن لا يعرف الله إلاَّ في حال ضرَّائه وشدَّته،
أمَّا في حال رخائه فإنَّه يكون في صدود وإعراض ولَهوٍ وغفلة وعدم إقبال على الله تبارك وتعالى.
ولهذا فإنَّ الواجبَ على المسلم
أن يُقبلَ على الله في أحواله كلِّها في اليُسرِ والعُسرِ، والرخاءِ والشدِّةِ، والغنى والفقرِ، والصحةِ والمرضِ،
ومَن تعرَّف على الله في الرخاء عرفه الله في الشدَّة، فكان له معيناً وحافظاً ومؤيِّداً وناصراً.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما المشهور: ( تعرَّف إلى الله في الرَّخاء يعرفك في الشدَّة ) .
قال ابن رجب رحمه الله في جزء له أفرده في شرح هذا الحديث:
" المعنى أنَّ العبدَ إذا اتقى الله وحفظ حدودَه وراعى حقوقه في حال رخائه وصحته،
فقد تعرَّف بذلك إلى الله، وكان بينه وبينه معرفة، فعرفه ربُّه في الشدَّة،
وعرف له عملَه في الرخاء، فنجَّاه من الشدائد بتلك المعرفة .
وهذا التعرُّفُ الخاص هو المشار إليه في الحديث الإلَهي
( ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ـ إلى أن قال ـ ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه ).
ثمَّ أورد عن الضحاك بن قيس أنَّه قال:
" اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدَّة،
إنَّ يونس عليه السلام كان يذكر اللهَ، فلمَّا وقع في بطن الحوت قال الله تعالى:
{ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }،
وإنَّ فرعونَ كان طاغياً ناسياً لذكر الله، فلمَّا أدركه الغرقُ قال: آمنتُ،
فقال الله تعالى: { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ المُفْسِدِينَ } "،
فمَن لَم يتعرَّف إلى الله في الرخاء فليس له أن يعرفه في الشدَّة لا في الدنيا ولا في الآخرة.
قال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه:
" أوصِني،
فقال : اذكر الله في السرَّاء يذكرك الله عزَّ وجلَّ في الضرَّاء ".
وعنه رضي الله عنه أنَّه قال : " ادع الله في يوم سرَّائك لعلَّه أن يستجيب لك في يوم ضرَّائك ".

وإنَّ من التعرُّف على الله في الرخاء
أن يجتهد العبدُ في حال رخائه بالتقرُّب إلى الله وطلبِ مرضاته، والإكثار من الأعمال الصالحة المُقرِّبة إليه،
كالبر والصلة، والصدقة والإحسان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من وجوه البِرِّ وسُبل الخير
" وحديث الثلاثة الذين دخلوا الغارَ وانطبقت عليهم الصخرةُ " يشهد لهذا،

فإنَّ الله فرج عنهم بدعائهم بما كان منهم من الأعمال الصالحة الخالِصة في حال الرخاء
من بر الوالدين، وترك الفجور، والأمانة الخفية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه ؛ والشكر له على توفيقه وامتنانه ؛
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:-

عباد الله:
إن أعظم الشدائد والكربات ما يمر على الإنسان من حين وفاته,
فمن تعرف على الله في الدنيا ولزم طاعته وانكف عن معصيته
نزلت عليه عند موته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس,
وقال ملك الموت عند رأسه: " أيتها الروح الطيبة أخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان ".

وكذلك إذا وضع في قبره, ثبتَّه الله عند الجواب وفُتح له باباً إلى الجنة يأتيه من طيبها وريحها
وجاءه رجل حسن الهيئة حسن المنظر فيقول : " أنا عملك الصالح "
ويُقال له : " نم نومة العروس ".
ويفرش قبره من الجنة, ويُفسح له مد بصره.

ومن عرف الله في الدنيا, وأقبل على طاعة الله, وانكف عن معصيته, وخاف من عقابه,
أمَّنَه الله يوم الفزع الأكبر,
عندما يُحشر الناس حفاةً عراةً غُرلاً غير مختونين,
يموج بعضهم في بعض, قد أُدنيت الشمس منهم قدر ميل, والعرق يلجمهم ، بينما هو في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.

ومن لزم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وشرب من معينها في الدنيا,
شرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، حينما يُذاد الناس عن الحوض كما تُذاد الإبل الغريبة.

ومن ثبت على التوحيد والسنة والطاعة في الدنيا,
ثبَّت الله قدمه على الصراط الذي حكم الله بمرور الناس عليه ،
وهو الجسر المضروب على متن جهنم, أدَقُّ من الشعر وأحَدُّ من السيف,


{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيـًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّـا}.

فاتقوا الله عباد الله, وتفكروا فيما أمامكم, وإياكم والغفلة عن ذلك.

اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة

جميع الحقوق محفوظة الدعوة الإسلامية © 2014 | ، نقل بدون تصريح ممنوع . Privacy-Policy| أنضم ألى فريق التدوين